تتواصل الأصوات من سيول إلى ساو باولو، ومن نيودلهي إلى داكار، في مسيرات وهتافات تُعلن التضامن مع غزة، حسبما ذكر الكاتب رانجان سولومون في مقاله الذي نشره موقع ميدل إيست مونيتور. لم يعد المواطنون متفرجين سلبيين، بل خرجوا يطالبون بالعدالة فيما يستمر حصار غزة وسط القصف والتجويع. ورغم الحصار يصرّ الفلسطينيون على البقاء ويعلنون: نحن هنا ولن نرحل. هذه المقاومة تحمل وزنًا أخلاقيًا عالميًا تعجز قوة إسرائيل العسكرية عن محوه.

يبرز دور قطر كوسيط محوري في الأزمة، إذ تقدّم الدعم الإنساني، وتموّل إعادة الإعمار، وتتوسط لوقف إطلاق النار، وتستخدم نفوذها الدبلوماسي للتأثير على الفاعلين الإقليميين. يوضح تدخل الدوحة أن الدول الصغيرة قادرة على فرض حضور سياسي مؤثر، ورسالتها الأوسع أن العرب إذا نسّقوا مواقفهم صاروا قوة مضادة في الإقليم. لذلك جاء استهداف إسرائيل لقطر كإعلان تحدٍ للقانون الدولي.

أظهرت جامعة الدول العربية، رغم خلافاتها، موقفًا موحدًا تجاه غزة. انطلقت إدانات القصف مع تحركات دبلوماسية عبر قنوات واشنطن وبروكسل والأمم المتحدة. تدرك الأنظمة العربية أن تجاهل الشارع يهدد الاستقرار، وأن إرث الربيع العربي جعل الشعوب لاعبًا سياسيًا لا يمكن تهميشه.

في العواصم العربية عادت الجماهير لتفرض حضورها، من القاهرة إلى عمان وتونس والرباط. خرج الآلاف ينددون بعدوان إسرائيل ويفضحون عجز حكوماتهم. يؤكد هذا الحراك أن اتفاقيات التطبيع والتحالفات الاستراتيجية لا تمحو قضية فلسطين من وجدان العرب. الضمير الشعبي هو من يرسم مسار التاريخ.

شهدت أوروبا احتجاجات غير مسبوقة في باريس وبرلين ولندن ومدريد وروما. حشود متنوّعة العمر والدين والسياسة نزلت للشوارع مطالبة بالمحاسبة ورافضة صفقات السلاح مع إسرائيل. تتعرض الحكومات لضغط متزايد للتوفيق بين مصالحها الاقتصادية ومطالب شعوبها الأخلاقية. في أميركا الشمالية تكررت المشاهد في الجامعات والساحات العامة، حيث صارت منصات تضامن فلسطيني تضغط على السياسيين والشركات.

أما الجنوب العالمي فصار جبهة متقدمة في التضامن. تحركات كبرى في الهند وسريلانكا وبنغلاديش وماليزيا وإندونيسيا، إلى جانب كوريا الجنوبية واليابان. في إفريقيا علت الأصوات من السنغال وجنوب إفريقيا وكينيا ونيجيريا، وفي أميركا اللاتينية تداخلت قضايا فلسطين مع خطاب حقوق الإنسان ومناهضة الإمبريالية. الشعار يتردد: "حرروا فلسطين، ارفعوا الحصار".

حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات كسبت أرضًا جديدة. جامعات ونقابات وفنانون ومثقفون يرفضون التعاون مع مؤسسات إسرائيلية. التأثير اقتصادي وثقافي ملموس، فيما يكشف المعارضون الإسرائيليون للخدمة العسكرية هشاشة التماسك الداخلي.

داخل إسرائيل ظهرت تصدعات اجتماعية. الاستقطاب السياسي والتكلفة الاقتصادية والعزلة الدولية تضغط على المجتمع. بعض اليهود يهاجرون أو يعلنون رفضهم لسياسات الحكومة، والاقتصاد يتأثر بالعقوبات وحملات المقاطعة. يزداد الشعور بأن القوة العسكرية لا تكفي لإدامة الشرعية.

أصداء الربيع العربي تتجدد في المنطقة، حيث لا تستطيع الحكومات تجاهل الرأي العام. في تونس ومصر والأردن يستخدم المواطنون الشارع ووسائل التواصل لتوسيع صدى غزة. قطر تدير جهودها الدبلوماسية في هذا المناخ، فتوازن بين الإغاثة الإنسانية ورسائل سياسية وتنسيق عربي.

في أوروبا تتصاعد ضغوط النقابات والفنانين والأكاديميين لإعادة النظر في صفقات السلاح مع إسرائيل. وفي أميركا الشمالية وصل صوت التضامن الفلسطيني إلى المجالس المحلية والشركات والكونغرس.

المشهد الداخلي في إسرائيل يعكس تصاعد التوتر، خاصة بين الشباب في المدن الكبرى. وسائل التواصل تكشف المعارضة بوضوح، والمعارضون يفضحون التناقض بين القوة العسكرية والضعف الأخلاقي. الاقتصاد يتآكل بفعل الحصار والحملات العالمية، بينما القانون الدولي يتحول إلى خصم دائم.

إصرار الفلسطينيين على الصمود وسط الخراب ألهم يقظة عالمية. شبكات القاعدة الشعبية توفر الغذاء والدواء وتواجه الدعاية، بينما يطالب الفلسطينيون بالاعتراف والعدالة والسيادة. الدبلوماسية القطرية تثبت أن المبادرات الصغيرة قد تترك أثرًا استراتيجيًا في نزاع غير متكافئ. ورغم تفوق إسرائيل العسكري، فإنها لا تستطيع تجاهل كلفة الوحدة العربية والضغط الدبلوماسي وتراجع شرعيتها الأخلاقية.

تتبلور اليوم شبكة عالمية من الشوارع والجامعات والنقابات والمؤسسات الثقافية، تتحد ضد الحصار وتفرض ضغطًا ماديًا ومعنويًا. بدلاً من عزلة غزة، صار الحصار نقطة ارتكاز لضمير عالمي جديد.

الدرس واضح: القوة العسكرية لا تعوّض غياب الشرعية. غزة، بصمودها، أثبتت أن البقاء والعدالة متداخلان لا منفصلان، وأن القضية تحولت إلى اختبار لضمير العالم بأسره. من داكار إلى دلهي، ومن سيول إلى ساو باولو، تصدح الأصوات معلنة أن المسؤولية الأخلاقية غير قابلة للمساومة.

في المحصلة، غزة ليست مجرد أرض محاصرة، بل مركز يقظة إنسانية عالمية. الفلسطينيون يرفعون شعارهم: نحن هنا، أحياء، لا نرحل. والشوارع العالمية تردد صداهم، في العواصم العربية والجنوب العالمي وأوروبا وأميركا. التضامن العالمي أعاد تشكيل النقاش الدولي وفتح مواجهة مباشرة مع الحصار. إنها لحظة مفصلية تؤكد أن شجاعة الفلسطينيين وصمودهم امتزجت بالفعل بحراك كوني يصعب احتواؤه.
https://www.middleeastmonitor.com/20250914-israel-qatar-and-the-global-conscience/